سورة الحجرات
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الآية رقم (1 : 3)
{ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم . يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون . إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم }
هذه آيات أدّب اللّه تعالى بها عباده المؤمنين، فيما يعاملون به الرسول صلى اللّه عليه وسلم من التوقير والاحترام، والتبجيل والإعظام، فقال تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدّموا بين يدي اللّه ورسوله} أي لا تسرعوا في الأشياء بين يديه أي قبله، بل كونوا تبعاً له في جميع الأمور. قال ابن عباس: نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه "وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن المراد من الآية الكريمة {لا تقدموا بين يدي اللّه ورسوله} لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة والقول الآخر هو رواية العوفي عنه وهو الأقوى والأرجح"، وقال مجاهد: لا تفتاتوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بشيء حتى يقضي اللّه تعالى على لسانه، وقال الضحّاك: لا تقضوا أمراً دون اللّه ورسوله من شرائع دينكم، وقال الحسن البصري: لا تدعوا قبل الإمام، وقال قتادة: ذكر لنا أن ناساً كانوا يقولون: لو أنزل في كذا وكذا، لو صح كذا، فكره اللّه تعالى ذلك، {واتقوا اللّه} فيما أمركم به {إن اللّه سميع} أي لأقوالكم {عليم} بنياتكم، وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} هذا أدب ثان أدّب اللّه تعالى به المؤمنين، أن لا يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي صلى اللّه عليه وسلم فوق صوته، وقد روي أنها نزلت في الشيخين أبي بكر و عمر رضي اللّه عنهما، روى البخاري عن ابن أبي مليكة قال: كاد الخّيران أن يهلكا أبو بكر و عمر رضي اللّه عنهما، رفعا أصواتهما عند النبي صلى اللّه عليه وسلم، حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس رضي اللّه عنه أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر، قال نافع: لا أحفظ اسمه، فقال أبو بكر لعمر رضي اللّه عنهما: ما أردت إلا خلافي، قال: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل اللّه تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} قال ابن الزبير: (فما كان عمر رضي اللّه عنه يسمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه) "أخرجه البخاري في صحيحه". وفي رواية أخرى له قال: قدم ركب من بني تميم على النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال أبو بكر رضي اللّه عنه: أمّر القعقاع بن معبد ، وقال عمر رضي اللّه عنه: بل أمّر الأقرع بن حابس ، فقال أبو بكر رضي اللّه عنه: ما أردت إلا خلافي، فقال عمر رضي اللّه عنه: ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما: فنزلت في ذلك: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي اللّه ورسوله} حتى انقضت الآية {ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم} الآية، أخرجه البخاري.
وروى الحافظ البزار، عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه قال: (لما نزلت هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} قلت: يا رسول اللّه واللّه لا أكلمك إلا كأخي السرار). وروى البخاري، عن أنَس بن مالك رضي اللّه عنه: أن النبي صلى اللّه عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس رضي اللّه عنه، فقال رجل: يا رسول اللّه أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده في بيته منكساً رأسه، فقال له: ما شأنك؟ فقال: شر، كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى اللّه عليه وسلم فقد حبط عمله فهو من أهل النار، فأتى الرجل النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبره أنه قال: كذا وكذا، قال موسى: فرجع إليه المرة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال: (اذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النار، ولكنك من أهل الجنة) "أخرجه البخاري في صحيحه".
وروى الإمام أحمد، عن أنَس بن مالك رضي اللّه عنه قال: لما نزلت هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي - إلى قوله - وأنتم لا تشعرون}، وكان ثابت بن قيس بن الشماس رفيع الصوت، فقال: أنا الذي كنت أرفع صوتي على صوت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أنا من أهل النار، حبط عملي، وجلس في أهله حزيناً، ففقده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فانطلق بعض القوم إليه، فقالوا له: تفَقَّدك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، مالك؟ قال: أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى اللّه عليه وسلم وأجهر له بالقول، حبط عملي أنا من أهل النار، فأتوا النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبروه بما قال، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (لا، بل هو من أهل الجنة). قال أنَس رضي اللّه عنه: فكنا نراه يمشي بين أظهرنا، ونحن نعلم أنه من أهل الجنة، فلما كان يوم اليمامة كان فينا بعض الانكشاف، فجاء ثابت بن قيس بن شماس، وقد تحنط ولبس كفنه، فقال: بئسما تعوّدون أقرانكم، فقاتلهم حتى قتل رضي اللّه عنه "أخرجه الإمام أحمد". وفي رواية: فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: (أما ترضى أن تعيش حميداً، وتقتل شهيداً، وتدخل الجنة؟) فقال: رضيت ببشرى اللّه تعالى ورسوله صلى اللّه عليه وسلم، ولا أرفع صوتي أبداً على صوت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال: وأنزل اللّه تعالى: {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول اللّه أولئك الذين امتحن اللّه قلوبهم للتقوى} "ذكر هذه الرواية ابن جرير رحمه اللّه تعالى"الآية.
وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين، كذلك فقد نهى اللّه عزَّ وجلَّ عن رفع الأصوات بحضرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه سمع صوت رجلين في مسجد النبي صلى اللّه عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما فجاء، فقال: أتدريان أين أنتما؟ ثم قال: من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، فقال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً. وقال العلماء: يكره رفع الصوت عند قبره صلى اللّه عليه وسلم كما كان يكره في حياته عليه الصلاة والسلام، لأنه محترم حياً، وفي قبره صلى اللّه عليه وسلم دائماً، ثم نهى عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه ممن عداه، بل يخاطب بسكينة ووقار وتعظيم، ولهذا قال تبارك وتعالى: {ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض}، كما قال تعالى: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً}، وقوله عزَّ وجلَّ: {أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} أي إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده، خشية أن يغضب من ذلك، فيغضب اللّه تعالى لغضبه، فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري، كما جاء في الصحيح: (إن الرجل ليتكلم الكلمة من رضوان اللّه تعالى لا يلقي لها بالاً يكتب له بها بالجنة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط اللّه تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض) "رواه مسلم وأخرجه أحمد والترمذي والنسائي بنحوه"، ثم ندب اللّه تعالى إلى خفض الصوت عنده وحث على ذلك ورشد إليه ورغب فيه، فقال: {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول اللّه أولئك الذين امتحن اللّه قلوبهم للتقوى} أي أخلصها لها وجعلها أهلاً ومحلاً {لهم مغفرة وأجر عظيم}. وعن مجاهد قال: كُتِب إلى عمر، يا أمير المؤمنين رجل لا يشتهي المعصية ولا يعمل بها أفضل، أم رجل يشتهي المعصية ولا يعمل بها؟ فكتب عمر رضي اللّه عنه: إن الذين يشتهون المعصية ولا يعملون بها {أولئك الذين امتحن اللّه قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم} "أخرجه أحمد في كتاب الزهد".
الآية رقم (4 : 5)
{ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون . ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم }
ثم إنه تبارك وتعالى ذم الذين ينادونه من وراء الحجرات، وهي بيوت نسائه كما يصنع أجلاف الأعراب فقال: {أكثرهم لا يعقلون}، ثم أرشد تعالى إلى الأدب في ذلك، فقال عزَّ وجلَّ:
{ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم} أي لكان لهم في ذلك الخيرة، والمصلحة في الدنيا والآخرة، ثم قال جلَّ ثناؤه داعياً لهم إلى التوبة والإنابة {واللّه غفور رحيم} وقد ذكر أنها نزلت في الأقرع بن حابس التميمي رضي اللّه عنه نادى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا محمد يا محمد، وفي رواية: يا رسول اللّه، فلم يجبه، فقال: يا رسول اللّه إن حمدي لزين، وإن ذمي لشين، فقال: (ذاك اللّه عزَّ وجلَّ) "أخرجه الإمام أحمد". وعن البراء في قوله تبارك وتعالى: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات} قال: جاء رجل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا محمد، إن حمدي زين وذمي شين، فقال صلى اللّه عليه وسلم: (ذاك اللّه عزَّ وجلَّ) "أخرجه ابن جرير"، وعن زيد بن أرقم رضي اللّه عنه قال: اجتمع أناس من العرب فقالوا: انطلقوا بنا إلى هذا الرجل، فإن يك نبياً فنحن أسعد الناس به، وإن يك ملكاً نعش بجناحه، قال: فأتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبرته بما قالوا، فجاءوا إلى حجرة النبي صلى اللّه عليه وسلم فجعلوا ينادونه وهو في حجرته: يا محمد .. يا محمد، فأنزل اللّه تعالى: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون} قال: فأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بإذني فمدها، فجعل يقول: (لقد صدّق اللّه تعالى يا زيد، لقد صدّق اللّه قولك يا زيد) "أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير".
الآية رقم (6 : 8)
{ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين . واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون . فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم } يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليحتاط له، وقد نهى اللّه عزَّ وجلَّ عن اتباع سبيل المفسدين، ومن هاهنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال، لاحتمال فسقه في نفس الأمر، وقبلها آخرون، وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط حين بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على صدقات بني المصطلق، وقد روي ذلك من طرق:
قال الإمام أحمد، عن الحارث بن أبي ضرار الخزاعي رضي اللّه عنه قال: قدمت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام، فدخلت فيه وأقررت به، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها، وقلت: يا رسول اللّه أرجع إليهم، فأدعوهم إلى الإسلام، وأداء الزكاة، فمن استجاب لي جمعت زكاته، وترسل إليّ يا رسول اللّه رسولاً إبَّان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة، فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له، وبلغ الإبان الذي أراد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يبعث إليه، احتبس عليه الرسول، ولم يأته، وظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من اللّه تعالى ورسوله، فدعا بسروات قومه، فقال لهم: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان وقّت لي وقتاً يرسل إليَّ رسوله، ليقبض ما كان عندي من الزكاة، وليس من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الخلف، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطه، فانطلقوا بنا نأتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق - أي خاف - فرجع حتى أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه إن الحارث قد منعني الزكاة وأراد قتلي، فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وبعث البعث إلى الحارث رضي اللّه عنه، وأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث، فقالوا: هذا الحارث، فلما غشيهم قال لهم: إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك، قال: ولم؟ قالوا: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله، قال رضي اللّه عنه: لا والذي بعث محمداً صلى اللّه عليه وسلم بالحق ما رأيته بتة، ولا أتاني، فلما دخل الحارث على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟) قال: لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني، وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، خشيت أن يكون كونت سخطة من اللّه تعالى ورسوله، قال: فنزلت الحجرات: {يا أيها
الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ - إلى قوله - حكيم}
"أخرجه الإمام أحمد وابن أبي حاتم والطبراني".
وروى ابن جرير، عن أُم سلمة رضي اللّه عنها قالت: بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلاً في صدقات بني المصطلق بعد الوقيعة، فسمع بذلك القوم، فتلقوه يعظمون أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قالت، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله، قالت، فرجع إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: إن بني المصطلق قد منعوني صدقاتهم، فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمسلمون، قالت: فبلغ القوم رجوعه، فأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فصفوا له حين صلى الظهر، فقالوا: نعوذ باللّه من سخط اللّه وسخط رسوله، بعثت إلينا رجلاً مصدقاً، فسررنا بذلك، وقرت به عيننا، ثم إنه رجع من بعض الطريق، فخشينا أن يكون ذلك غضباً من اللّه تعالى ومن رسوله صلى اللّه عليه وسلم، فلم يزالوا يكلمونه، حتى جاء بلال رضي اللّه عنه، فأذن بصلاة العصر، قالت: ونزلت: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}؟ "أخرجه ابن جرير من حديث أُم سلمة".
وقال مجاهد وقتادة: أرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق ليصدقهم، فتلقوه بالصدقة فرجع، فقال: إن بني المصطلق قد جمعت لك لتقاتلك، زاد قتادة: وإنهم قد ارتدوا عن الإسلام، فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خالد بن الوليد رضي اللّه عنه إليهم، وأمره أن يتثبت ولا يعجل، فانطلق حتى أتاهم ليلاً. فبعث عيونه، فلما جاءوا أخبروا خالداً رضي اللّه عنه أنهم مستمسكون بالإسلام، وسمعوا أذانهم وصلاتهم، فلما أصبحوا أتاهم خالد رضي اللّه عنه فرأى الذي يعجبه، فرجع إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبره الخبر، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. وكذا ذكر غير واحد من السلف، أنها نزلت في
الوليد بن عقبة ، واللّه أعلم.
وقوله تعالى: {واعلموا أن فيكم رسول اللّه} أي اعلموا أن بين أظهركم رسول اللّه، فعظّموه ووقّروه وتأدّبوا معه وانقادوا لأمره، فإنه أعلم بمصالحكم وأشفق عليكم منكم، ورأيه فيكم أتم من رأيكم لأنفسكم، {لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنّتم} أي لو أطاعكم في جميع ما تختارونه لأدى ذلك إلى عنتكم وحرجكم، كما قال سبحانه: {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن}، وقوله عزَّ وجلَّ: {ولكنَّ اللّه حبّب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم} أي حببه إلى نفوسكم، وحسّنه في قلوبكم، وعن أنَس رضي اللّه عنه قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (الإسلام علانية والإيمان في القلب) ثم يشير بيده إلى صدره ثلاث مرات ثم يقول: (التقوى ههنا، التقوى ههنا) "أخرجه الإمام أحمد"، {وكرَّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان} أي وبغض إليكم الكفر والفسوق وهي الذنوب الكبار، والعصيان وهي جميع المعاصي وهذا تدريج لكمال النعمة، وقوله تعالى: {أولئك هم الراشدون} أي المتصفون بهذه الصفة هم الراشدون الذين قد آتاهم اللّه رشدهم، عن أبي رفاعة الزرقي، عن أبيه قال: لما كان يوم أُحُد وانكفأ المشركون قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (استووا حتى أثني على ربي عزَّ وجلَّ) فصاروا خلفه صفوفاً، فقال صلى اللّه عليه وسلم: (اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مباعد لما قربت، اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك، اللهم إني أسألك النعيم المقيم، الذي لا يحول ولا يزول، اللهم أسألك النعيم يوم العيلة، والأمن يوم الخوف، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا، ومن شر ما منعتنا، اللهم حبب
إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم توفنا مسلمين، وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذِّبون رسلك، ويصدُّون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك، اللهم قاتل الكفرة الذين أُوتوا الكتاب إله الحق)
"أخرجه الإمام أحمد والنسائي". وفي الحديث المرفوع: (من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن) ثم قال: {فضلاً من اللّه ونعمة} أي هذا العطاء الذي منحكموه، هو فضل منه عليكم، ونعمة من لدنه {واللّه عليم حكيم} أي عليم بمن يستحق الهداية، ممن يستحق الغواية، حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.
الآية رقم (9 : 10)
{ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين . إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون }
يقول تعالى آمراً بالإصلاح بين الفئتين الباغيتين بعضهم على بعض: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} فسماهم مؤمنين مع الاقتتال، وبهذا استدل البخاري وغيره، على أنه لا يخرج عن الإيمان بالمعصية وإن عظمت، لا كما يقوله الخوارج والمعتزلة، وهكذا ثبت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خطب يوماً ومعه على المنبر الحسن بن علي رضي اللّه عنهما، فجعل ينظر إليه مرة، وإلى الناس أُخرى ويقول: (إن ابني هذا سيد ولعل اللّه تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) "أخرجه البخاري عن أبي بكرة رضي اللّه عنه". فكان كما قال صلى اللّه عليه وسلم، أصلح اللّه تعالى به بين أهل الشام وأهل العراق، بعد الحروب الطويلة والواقعات المهولة، وقوله تعالى: {فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر اللّه} أي حتى ترجع إلى أمر اللّه ورسوله، وتسمع للحق وتطيعه، كما ثبت في الصحيح: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) قيل: يا رسول اللّه أنصره مظلوماً فكيف أنصره ظالماً؟ قال صلى اللّه عليه وسلم: (تمنعه من الظلم فذاك نصرك إياه)
وروى الإمام أحمد، عن أنَس رضي اللّه عنه قال، قيل للنبي صلى اللّه عليه وسلم: لو أتيت عبد اللّه بن أُبي، فانطلق إليه النبي صلى اللّه عليه وسلم، وركب حماراً، وانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة، فلما انطلق النبي صلى اللّه عليه وسلم إليه قال: إليك عني فواللّه لقد آذاني ريح حمارك، فقال رجل من الأنصار: واللّه لحمار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أطيب ريحاً منك، قال: فغضب لعبد اللّه رجال من قومه، فغضب لكل واحد منهما أصحابه، قال: فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنه أنزلت فيهم: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} "أخرجه أحمد ورواه البخاري بنحوه". وذكر سعيد بن جبير: أن الأوس والخزرج كان بينهما قتال بالسعف والنعال، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية، فأمر بالصلح بينهما، وقال السدي: كان رجل من الأنصار يقال له عمران، كانت له امرأة تدعى أم زيد، وإن المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها، وجعلها في علية له، لا يدخل عليها أحد من أهلها، وإن المرأة بعثت إلى أهلها فجاء قومها وأنزلوها، لينطلقوا بها، وإن الرجل كان قد خرج، فاستعان أهل الرجل، فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها فتدافعوا واجتلدوا بالنعال، فنزلت فيهم هذه الآية، فبعث إليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأصلح بينهم وفاءوا إلى أمر اللّه تعالى. وقوله عزَّ وجلَّ: {فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن اللّه يحب المقسطين} أي اعدلوا بينهما بالقسط وهو العدل {إن اللّه يحب المقسطين}، روى ابن أبي حاتم، عن عبد اللّه بن عمرو رضي اللّه عنهما قال: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إن المقسطين في الدنيا على منابر من لؤلؤ بين يدي الرحمن عزَّ وجلَّ بما أقسطوا في الدنيا) "أخرجه ابن أبي حاتم والنسائي". وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (المقسطون عند اللّه تعالى يوم القيامة على منابر من نور على يمين العرش، الذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وما ولوا) "أخرجه مسلم والنسائي وابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن عمرو". وقوله تعالى: {إنما المؤمنون أخوة} أي الجميع أخوة في الدين كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمهُ ولا يسلمه) وفي الصحيح: (واللّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) وفي الصحيح أيضاً: (إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك: آمين ولك بمثله( والأحاديث في هذا كثيرة. وقوله تعالى: {فأصلحوا بين أخويكم} يعني الفئتين المقتتلتين {واتقوا اللّه} أي في جميع أموركم {لعلكم ترحمون}. وهذا تحقيق منه تعالى للرحمة لمن اتقاه.
الآية رقم (11)
{ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون }
ينهى تعالى عن السخرية بالناس وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (الكبر بطر الحق، وغمط الناس) والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم وهذا حرام، فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدراً عند اللّه تعالى وأحب إليه من الساخر منه المتحقر له، ولهذا قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن} فنص على نهي الرجال وعطف بنهي النساء، وقوله تبارك وتعالى: {ولا تلمزوا أنفسكم} أي لاتلمزوا الناس، والهماز اللمَّاز من الرجال مذموم ملعون كما قال تعالى: {ويل لكل همزة لمزة}، والهمز بالفعل واللمز بالقول، كما قال عزَّ وجلَّ: {هماز مشاء بنميم} قال ابن عباس ومجاهد: {ولا تلمزوا أنفسكم} أي لا يطعن بعضكم على بعض، وقوله تعالى: {ولا تنابزوا بالألقاب} أي لاتداعوا بالألقاب وهي التي يسوء الشخص سماعها، قال الشعبي: حدثني أبو جبيرة بن الضحّاك قال: فينا نزلت في بني سلمة {ولا تنابزوا بالألقاب} قال: قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة، وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فكان إذا دعا أحداً منهم باسم من تلك الأسماء، قالوا: يا رسول اللّه إنه يغضب من هذا، فنزلت: {ولا تنابزوا بالألقاب} "أخرجه الإمام أحمد وأبو داود"، وقوله جلَّ وعلا: {بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} أي بئس الصفة والاسم الفسوق، وهو التنابز بالألقاب كما كان أهل الجاهلية يتناعتون بعد ما دخلتم في الإسلام وعقلتموه {ومن لم يتب} أي من هذا {فأولئك هم الظالمون}.
الآية رقم (12)
{ يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم }
يقول تعالى ناهياً عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والناس في غير محله، لأن بعض ذلك يكون إثماً محضاً، قال عمر ابن الخطاب رضي اللّه عنه: لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيراً وأنت تجد لها في الخير محملاً، وعن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما قال: رأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك! ما أعظمك وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند اللّه تعالى حرمة منك، ماله ودمه وأن يظن به إلا خيراً) "أخرجه ابن ماجة في سننه". وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد اللّه إخواناً) "أخرجه البخاري والإمام مالك".
وعن أنًس رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد اللّه إخواناً ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام) "أخرجه مسلم والترمذي وصححه". وروى الطبراني، عن حارثة بن النعمان رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ثلاث لازمات لأمتي: الطيرة والحسد وسوء الظن) فقال رجل: وما يذهبهن يا رسول اللّه ممن هن فيه؟ قال صلى اللّه عليه وسلم: (إذا حسدت فاستغفر اللّه، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فامض) "رواه الطبراني". وروى أبو داود، عن زيد رضي اللّه عنه قال: أتي ابن مسعود رضي اللّه عنه برجل فقيل له هذا فلان تقطر لحيته خمراً، فقال عبد اللّه رضي اللّه عنه: إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به) "رواه أبو داود وسماه ابن أبي حاتم في روايته الوليد بن عقبة ".
وروى الإمام أحمد، عن أبي الهيثم عن دجين كاتب عقبة قال: قلت لعقبة إن لنا جيراناً يشربون الخمر، وأنا داع لهم الشرط فيأخذونهم، قال: لا تفعل، ولكن عظهم وتهددهم، قال: ففعل فلم ينتهوا، قال، فجاءه دجين، فقال: إني قد نهيتهم وإني داع لهم الشرط، فتأخذهم، فقال له عقبة: ويحك لا تفعل، فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (من ستر عورة مؤمن فكأنما استحيا موءودة من قبرها) "رواه أحمد وأبو داود والنسائي". {ولا تجسسوا} أي على بعضكم بعضاً، والتجسس غالباً يطلق في الشر ومنه الجاسوس، وأما التحسس فيكون غالباً في الخير، كما قال عزَّ وجلَّ إخباراً عن يعقوب: {يا بنيَّ اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح اللّه}. وقال الأوزاعي: التجسس البحث عن الشيء، والتحسس الاستماع إلى حديث القوم، أو يتسمع على أبوابهم، والتدابر: الصرم.
وقوله تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضاً} فيه نهي عن الغيبة، وقد فَسّرها الشارع كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود، عن أبي هريرة، قال، قيل: يا رسول اللّه ما الغيبة؟ قال صلى اللّه عليه وسلم: (ذكرك أخاك بما يكره) قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال صلى اللّه عليه وسلم: (إن كان فيه ما تقول فقد أغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتّه) وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت، قلت للنبي صلى اللّه عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا، تعني قصيرة، فقال صلى اللّه عليه وسلم: (لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته)قالت: وحكيت له إنساناً، فقال صلى اللّه عليه وسلم: (ما أحب أني حكيت إنساناً، وإن لي كذا وكذا) "أخرجه أبو داود والترمذي". والغيبة محرمة بالإجماع، ولا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته، كما في الجرح والتعديل والنصيحة، كقوله صلى اللّه عليه وسلم، لما استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر: (ائذنوا له بئس أخو العشيرة) وكقوله صلى اللّه عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي اللّه عنها وقد خطبها معاوية وأبو الجهم: (أما معاوية فصعلوك وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه) وكذا ما جرى مجرى ذلك، ثم بقيتها على التحريم الشديد، وقد ورد فيها الزجر الأكيد ولهذا شبهها تبارك وتعالى بأكل اللحم من الإنسان الميت كما قال عزَّ وجلَّ: {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه} أي كما تكرهون هذا طبعاً فاكرهوا ذاك شرعاً، فإن عقوبته أشد من هذا، وهذا من التنفير عنها والتحذير منها، وثبت في الصحاح والحسان والمسانيد من غير وجه أنه صلى اللّه عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)
وروى أبو داود، عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام، ماله، وعرضه، ودمه، حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) "رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن غريب". وعن البراء بن عازب رضي اللّه عنه قال: خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى أسمع العواتق في بيوتها، أو قال: في خدورها، فقال: (يا معشر من آمن بلسانه لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورة أخيه يتبع اللّه عورته، ومن يتبع اللّه عورته يفضحه في جوف بيته) "رواه الحافظ أبو يعلى وأبو داود بنحوه".
طريق أُخْرى : عن ابن عمر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورات المسلمين يتبع اللّه عورته ومن يتبع اللّه عورته يفضحه ولو في جوف رحله) قال، ونظر ابن عمر يوماً إلى الكعبة فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك، وللمؤمن أعظم حرمة عند اللّه منك.
عن أنَس بن مالك قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظافر من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هولاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم)
"أخرجه أبو داود والإمام أحمد". وروى ابن أبي حاتم، عن سعيد الخدري قال، قلنا: يا رسول اللّه حدّثنا ما رأيت ليلة أسري بك؟ قال: (ثم انطلق بي إلى خلق من خلق اللّه كثير، رجال ونساء، موكل بهم رجال يعمدون إلى عرض جنب أحدهم، فيجذون منه الجذة مثل النعل، ثم يضعونها في فيِّ أحدهم، فيقال له: كل كما أكلت - وهو يجد من أكله الموت يا محمد لو يجد الموت وهو يكره عليه - فقلت: يا جبرائيل من هولاء؟ قال: هولاء الهمازون اللمازون أصحاب النميمة، فيقال {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه} وهو يكره على أكل لحمه)
وروى الحافظ البيهقي، عن عبيد مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن امرأتين صامتا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأن رجلاً أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه! إن ههنا امرأتين صامتا، وإنهما كادتا تموتان من العطش، أراه قال بالهاجرة، فأعرض عنه أو سكت عنه، فقال: يا نبي اللّه إنهما واللّه قد ماتتا، أو كادتا تموتان، فقال: (ادعهما) فجاءتا، قال، فجيء بقدح أو عس، فقال لإحداهما: (قيئي) فقاءت من قيح ودم وصديد، حتى قاءت نصف القدح، ثم قال للأًخْرى: (قيئي) فقاءت قيحاً ودماً وصديداً ولحماً ودماً عبيطاً وغيره، حتى ملأت القدح، ثم قال: (إن هاتين صامتا عما أحل اللّه لهما، وأفطرتا على ما حرم اللّه عليهما، وجلست إحداهما إلى الأُخْرى فجعلتا تأكلان لحوم الناس) "أخرجه الحافظ البيهقي والإمام أحمد". وروى الحافظ أبو يعلى، عن ابن عمر أن ماعزاً جاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه إني قد زنيت، فأعرض عنه، حتى قالها أربعا، فلما كان في الخامسة قال: (زنيت؟) قال: نعم، قال: (وتدري ما الزنا؟) قال: نعم، أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً، قال: (ما تريد إلى هذا القول؟) قال: أُريد أن تطهّرني، قال، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أدخلت ذلك منك في ذلك منها، كما يغيب الميل في المكحلة والرشا في البئر؟) قال: نعم يا رسول اللّه، قال، فأمر برجمه فرُجم، فسمع النبي صلى اللّه عليه وسلم رجلين يقول أحدهما لصاحبه: ألم تر إلى هذا الذي ستر اللّه عليه، فلم تدعه نفسه حتى رُجم رجْم الكلب؟ ثم سار النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى مرَّ بجيفة حمار، فقال: (أين فلان وفلان؟ إنزلا فكلا من جيفة هذا الحمار) قالا: غفر اللّه لك يا رسول اللّه، وهل يؤكل هذا؟ قال صلى اللّه عليه وسلم: (فما نلتما من أخيكما آنفاً أشد أكلاً منه، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها) "أخرجه الحافظ أبو يعلى وإسناده صحيح".
وروى الإمام أحمد، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال: كنا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم فارتفعت ريح جيفة منتنة، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أتدرون ما هذه الريح؟ هذه ريح الذين يغتابون الناس؟) "أخرجه الإمام أحمد في مسنده"وقوله عزَّ وجلَّ: {واتقوا اللّه} أي فيما أمركم به ونهاكم عنه فراقبواه في ذلك واخشوا منه، {إن اللّه تواب رحيم} أي تواب على من تاب إليه {رحيم} لمن رجع إليه واعتمد عليه، قال الجمهور من العلماء: طريق المغتاب للناس في توبته أن يقلع عن ذلك، ويعزم على أن لا يعود، وهل يشترط الندم على ما فات؟ فيه نزاع، وأن يتحلل من الذي اغتابه، وقال آخرون: لا يشترط أن يتحلله، فإنه إذا أعلمه بذلك ربما تأذى أشد مما لم يعلم بما كان منه، فطريقه إذاً أن يثني عليه بما فيه في المجالس التي كان يذمه فيها، وأن يرد عنه الغيبة بحسبه وطاقته، لتكون تلك بتلك؛ كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (من حمى مؤمناً من منافق يغتابه بعث اللّه إليه ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مؤمناً بشيء يريد سبه حبسه اللّه تعالى على جسر جهنم حتى يخرج مما قال) "أخرجه أبو داود وأحمد". وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ما من امرئ يخذل امرءاً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله اللّه تعالى في مواطن يحب فيها نصرته، وما من امرئ ينصر امرءاً مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره اللّه عزَّ وجلَّ في مواطن يحب فيها نصرته) "أخرجه أبو داود".
الآية رقم (13)
{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير }
يقول تعالى مخبراً للناس أنه خلقهم من نفس واحدة، وجعل منها زوجها وهما آدم و حواء وجعلهم شعوباً وهي أعم من القبائل، وبعدها مراتب أُخر، كالفصائل والعشائر والأفخاذ وغير ذلك، فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية، إلى آدم وحواء عليهما السلام سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية، وهي طاعة اللّه تعالى ومتابعة رسوله صلى اللّه عليه وسلم،ولهذا قال تعالى بعد النهي عن الغيبة، واحتقار بعض الناس بعضاً، منبهاً على تساويهم في البشرية: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا} أي ليحصل التعارف بينهم كل يرجع إلى قبيلته، وقال مجاهد {لتعارفوا} كما يقال فلان ابن فلان من قبيلة كذا وكذا، وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر) "أخرجه الترمذي وقال: حديث غريب". وقوله تعالى: {إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم}، أي إنما تتفاضلون عند اللّه تعالى بالتقوى لا بالأحساب.
وقد وردت الأحاديث بذلك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فروى البخاري عن أبي هريرة قال: سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أي الناس أكرم؟ قال: (أكرمهم عند اللّه أتقاهم) قالوا: ليس على هذا ما نسألك، قال: (فأكرم الناس يوسف نبي اللّه، ابن نبي اللّه، ابن نبي اللّه ابن خليل اللّه) قالوا: وليس على هذا ما نسألك، قال: (فعن معادن العرب تسألوني)؟ قالوا: نعم، قال: (فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا) حديث آخر : عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إن اللّه لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) "أخرجه مسلم وابن ماجة". حديث آخر : وروى الإمام أحمد، عن أبي ذر رضي اللّه عنه قال إن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال له: (أنظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلاّ أن تفضله بتقوى اللّه) "تفرد به أحمد". حديث آخر : وعن حبيب بن خراش العصري أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (المسلمون إخوة لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى) "أخرجه الطبراني". حديث آخر : وعن حذيفة رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على اللّه تعالى من الجعلان) "أخرجه البزار في مسنده". حديث آخر : قال ابن أبي حاتم، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال: طاف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته القصواء يستلم الأركان بمحجن في يده، فما وجد لها مناخاً في المسجد حتى نزل صلى اللّه عليه وسلم على أيدي الرجال، فخرج بها إلى بطن المسيل فأنيخت، ثم إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خطبهم على راحلته فحمد اللّه تعالى وأثنى عليه بما هو له أهل، ثم قال: (يا أيها الناس إن اللّه تعالى قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتعظمها بآبائها، فالناس رجلان: رجل بر تقي كريم على اللّه تعالى، ورجل فاجر شقي هيّنٌ على اللّه تعالى، إن اللّه عزَّ وجلَّ يقول: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم إن اللّه عليم خبير}) ثم قال صلى اللّه عليه وسلم: (أقول قولي هذا واستغفر اللّه لي ولكم)
"أخرجه ابن أبي حاتم وعبد بن حميد". وقوله تعالى: {إن اللّه عليم خبير} أي عليم بكم خبير بأموركم، فيهدي من يشاء ويضل من يشاء، ويرحم من يشاء ويعذب من يشاء، وهو الحكيم العليم الخبير.
الآية رقم (14 : 18)
{ قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم . إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون . قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم . يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين . إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون }
يقول تعالى منكراً على الأعراب، الذين ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان، ولم يتمكن الإيمان في قلوبهم بعد: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم}، وقد استفيد أن الإيمان أخص من الإسلام، ويدل عليه حديث جبريل عليه الصلاة والسلام، حين سأل عن الإسلام، ثم عن الإيمان، ثم عن الإحسان، فترقى من الأعم، إلى الأخص، روى الإمام أحمد، عن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه قال: أعطى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجالاً ولم يعط رجلاً منهم شيئاً، فقال سعد رضي اللّه تعالى عنه: يا رسول اللّه أعطيت فلاناً وفلاناً ولم تعط فلاناً شيئاً وهو مؤمن، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (أو مسلم؟) حتى أعادها سعد رضي اللّه عنه ثلاثاً والنبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: (أو مسلم؟) ثم قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (إني لأعطي رجالاً وأدع من هو أحبُّ إليَّ منهم، فلم أعطه شيئاً مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم) فقد فرق النبي صلى اللّه عليه وسلم بين المؤمن والمسلم، فدل على أن الإيمان أخص من الإسلام، ودل على أن ذاك الرجل كان مسلماً ليس منافقاً، لأنه تركه من العطاء، ووكله إلى ما هو فيه من الإسلام، فهؤلاء الإعراب المذكورون في هذه الآية ليسوا بمنافقين، وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم، فادعوا لأنفسهم مقاماً أعلى مما وصلوا إليه، فأدبوا في ذلك، وإنما قلنا هذا لأن البخاري رحمه اللّه ذهب إلى أن هؤلاء كانوا منافقين يظهرون الإيمان وليسوا كذلك، وقد روي عن سعيد بن جبير ومجاهد {ولكن قولوا أسلمنا}: أي استسلمنا خوف القتل والسبي، قال مجاهد: نزلت في بني أسد بن خزيمة، وقال قتادة: نزلت في قوم امتنوا بإيمانهم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، والصحيح الأول أنهم قوم ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان ولم يحصل لهم بعد فأدبوا وأعلموا أن ذلك لم يصلوا إليه بعد، ولو كانوا منافقين لعنفوا وفضحوا، وإنما قيل لهؤلاء تأديباً: {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} أي لم تصلوا إلى حقيقة الإيمان بعد، ثم قال تعالى: {وإن تطيعوا اللّه ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً} أي لا ينقصكم من أجوركم شيئاً كقوله عزَّ وجلَّ: {وما ألتناهم من عملهم من شيء}، وقوله تعالى: {إن اللّه غفور رحيم} أي لمن تاب إليه وأناب.
وقوله تعالى: {إنما المؤمنون} أي إنما المؤمنون الكُمَّل {الذين آمنوا باللّه ورسوله ثم لم يرتابوا} أي لم يشكوا ولا تزلزلوا، بل ثبتوا على حال واحدة، وهي التصديق المحض، {وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه} أي وبذلوا مهجهم ونفائس أموالهم في طاعة اللّه ورضوانه، {أولئك هم الصادقون} أي في قولهم إذا قالوا إنهم مؤمنون، لا كبعض الأعراب الذين ليس لهم من الإيمان إلا الكلمة الظاهرة، وقوله سبحانه وتعالى: {قل أتعلمون اللّه بدينكم} أي أتخبروه بما في ضمائركم؟ {واللّه يعلم ما في السموات وما في الأرض} أي لايخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، {واللّه بكل شيء عليم}. ثم قال تعالى: {يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا عليّ إسلامكم} يعني الأعراب الذين يمنُّون بإسلامهم ومتابعتهم على الرسول صلى اللّه عليه وسلم، يقول اللّه تعالى رداً عليهم: {قل لا تمنوا عليَّ لإسلامكم} فإن نفع ذلك إنما يعود عليكم وللّه المنة عليكم فيه، {بل اللّه يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين} أي في دعواكم ذلك، كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم للأنصار يوم حنين: (يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضُلاَّلاً فهداكم اللّه بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم اللّه بي؟ وكنتم عالة فأغناكم اللّه بي؟) كلما قال شيئاً قالوا: اللّه ورسوله أمنّ. وروى الحافظ البزار، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: جاءت بنو أسد إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: يا رسول اللّه أسلمنا، وقاتلتك العرب ولم نقاتلك، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إن فقههم قليل، وإن الشيطان ينطق على ألسنتهم) ونزلت هذه الآية: {يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا عليَّ إسلامكم بل اللّه يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين}، ثم كرر الإخبار بعلمه بجميع الكائنات، وبصره بأعمال المخلوقات فقال: {إن اللّه يعلم غيب السماوات والأرض واللّه بصير بما تعملون}.